-A +A
جولة: عبدالله الغضوي
وسط زحام العمليات العسكرية والقتال على الجبهات، كانت جولة «عكاظ» الصحفية، بحاجة إلى صوت المحلل والمؤرخ والشاهد الحكيم على مرحلتي الأسدين الأب والابن، وفي ظل صراع فوهات البنادق، كانت المهمة صعبة.. إلا أن أحد قادة الألوية في حلب أشار إلينا بالحديث مع القاضي حسين حمادة مستشار محكمة النقض السابق في سوريا، مؤكدا أن هذا الرجل لديه الكثير عن خفايا الدولة السورية.
وبالفعل اتجهنا إلى مقر القاضي حمادة، لنوثق شهادته على النظام السوري، باعتباره قاضيا عريقا وبعثيا سابقا وعضو قيادة الحزب في محافظة حلب. حمادة الذي أعلن انشقاقه رسميا في نهاية العام الماضي عن النظام السوري، ليلتحق بالعمل الثوري، حدثنا عن تفاصيل الحكم في سوريا.. وكشف لأول مرة عن وجود ما يشبه دولة الظل في سوريا وهم الطبقة الكلازية العلوية التي هيمنت على الحكم في عهد بشار الأسد.. فإلى تفاصيل الحوار:


• ثمة انتقادات كبيرة بحق المنشقين وسؤال دائم وحاضر .. لماذا تتأخرون بالانشقاق؟
- اعتراضي على نظام الحكم في سوريا كان منذ العام 2005، حينها كنت قاضيا في محكمة الاستئناف في حلب وعضو قيادة الحزب في المحافظة، وقدمت استقالتي ورفضت، علما بأن تقديم الاستقالة من الحزب أمر بالغ الأهمية، وكررت استقالتي إلى أن داعني حينذاك بشار الأسد، باعتباره الأمين العام لحزب البعث.. وحقيقة قدمت مبررات صحية، لأنني لم استطيع وقتها الاعتراض.. فأنت تعرف ماذا يعني ذلك.. بعد اللقاء مع الأسد أدركت أن الاستقالة لا أمل فيها.. إلى أن جاءت الثورة.. وكانت اللحظة مناسبة، مجرد أن تمت الترتيبات الأمنية مع الثوار.


• بحكم تجربتك في حزب البعث وكونك قاضيا منشقا.. كيف سير حزب البعث طوال العقود الماضية الحياة السياسية في سوريا بعد أن كانت البلاد تعج بالانقلابات؟
- سوريا لم تعيش أية حياة سياسية في عصر حافظ الأسد على الإطلاق، حتى حزب البعث العربي الاشتراكي كان واجهة كرتونية للحكم العسكري الأمني. وفي الحقيقة منذ مؤتمره القطري السادس في العام 1974 فقد الحزب زمام القيادة على الدولة، واضمحل الحزب بعد هذا المؤتمر، وبات صورة دون مضمون .. وبات غطاء للحكم الأمني البوليسي و«العصابوي».

• القضاة هم أكثر الأشخاص القادرين على استشفاف طريقة الحكم ومكونات الدولة.. باختصار من يحكم سوريا؟
- مسار سوريا تغير بعد زواج بشار الأسد من أسماء الأخرس، هذا الزواج كان سياسيا بامتياز.. وبعده مباشرة بدأ صراع العلويين بينهم، فالأسد كان يروج للتطوير والتحديث المزعوم .. وأنه رجل مرحلة وإلى ما هنالك من شعارات فارغة.. لكن ما حدث أن مجموعة ضيقة من العلويين ويطلقون عليهم اسم الكلازية، المنتشرين في ريف طرطوس، لم يرق لهم مشروع زواج الأسد من أسماء السنية المذهب.. وهددوا بقلب الطاولة على الجميع في الحكم.. ومن أبرز هذه العائلات هم (بيت ناصيف – بركات- خير بيك .. وآخرون) عندها حدثت صفقة.. أن تطلق يد هذه المجموعة القصر الجمهوري وفي الأجهزة الأمنية ومن هنا ظهرت المخابرات الجوية، التي تخدم العائلة العلوية في الحكم.
هذا المشروع (الزواج السياسي) تخلله مشروع من تحت الطاولة، أن تحدث هيئات أو تطلق يد هذه المجموعة في القصر وفي الحكم عموما، وقامت هذه المجموعات بأعمال قذرة في سوريا بهدف الحفاظ على الحكم، وهنا تم الاستسلام لحكم العائلة العلوية. واستطاعت هذه المجموعة أن تحاصر الأسد في حكمه.. وأريد أن أقول أيضا إن هذه المجموعة الكلازية مرتبطة بقم وهي التي أدخلت إيران بشكل كامل إلى سوريا.

• كيف رأيت بشار الأسد من خلال لقاءاتك العشرة خلال عملك كقاضٍ؟
- التقيت الأسد كثيرا .. وكان انطباعي هو التالي دون زيادة أو نقصان «بشار الأسد شخص يحفظ جيدا مقالات ونظريات فلسفية فارغة، ففي اللقاء الأول يبهرك بحديثه المنمق والواسع، وفي اللقاء الثاني يردد نفس الأسطوانة، ومجرد أن تخرج عن محاور الموضوع المطروح مسبقا تجد أمامك شخصا آخر وغير قادر على متابعة الحديث، هو شخص يردد دائما ما يحفظه وأشبهه برحل آلي يلقن ويردد ما يقال له».

• ما هو مستوى ذكاء الأسد وتفكيره كرجل سياسي يحكم أهم الدول في المنطقة؟
- أعتقد أن الإجابة على مستوى ذكاء الأسد بحاجة لربط فيزيولوجي، فعلى اعتبار أنه توأم لشقيقه الراحل مجد المصاب بنوع من الجنون، فهو ليس ببعيد عنه في الذكاء والعقلية، وفي كل مرة أقابل الأسد اكتشف أنني أمام روبوت آلي لا يستجيب فقط ينفذ ما هو مبرمج على أساسه. وهو شخص لا يسمع الآخر أبدا.. وشكل للحكم وليس مدبرا لشؤون البلاد، وهو قزم صغير بيد إيران.. هذه شهادتي في هذا الرجل.. ولن تتغير.

• عاصرت حافظ الأسد .. وعايشت مرحلة بشار فما الفرق بين الأب والابن؟
- حافظ الأسد سعى إلى تأسيس دولة تخدم مصالح الطائفة العلوية، أما بشار الأسد سعى إلى تأسيس دولة تخدم مصالح العائلة. والاثنان يستخدمان بعض رجال الدين السنة في تبرير حكمهم.. ونقطة الالتقاء بينهما أنهما أسسا عصابة مافيوية نهبت وسيطرت على سوريا. كما أن كلاهما اعتمد على أجهزة الأمن والجيش.

• ما هي أولويات حكم عائلة الأسد .. وطريقة إدارة البلاد؟
- حكم الأسد والأب والابن أدركوا أن القوة العسكرية هي من أهم سبل توطيد الحكم، وليس مصالح الشعب وتحقيق تطلعاته، لذلك أحكمت قبضتها على مؤسسة الجيش وأجهزة الاستخبارات. وبدأت تتوسع الدائرة شيئا فشيئا حتى طالت السيطرة على الجمارك والمالية وأخيرا القضاء. ووفقا لهذا الأمر انتشر العنصر العلوي في كل مؤسسات الحكم .. وفي هذه الحالة انتقلت الدولة السورية إلى مفهوم العصابة وجمع المال والنهب والسرقات وإفقار الشعب السوري.

• انتقل إلى الوضع الراهن .. هل تعتقد أن الثورة بهذه الطريقة كانت ضرورية في سوريا.. بمعنى أن ظروف التغيير العربي كانت ستفرض التغيير السلمي على النظام في سوريا؟
- هذا الكلام ينطبق على أي دولة في العالم، إلا أنه لا ينطبق على الحالة السورية، النظام في سوريا هو عبارة عن عصابة استولت على الحكم في ظرف تاريخي، وهم غير مستعدين أبدا لمشاركة أي طرف سوري آخر في الحكم، هم عصابة حقيقية.. وتصور كيف تحكم العصابة .. ومن المستحيل أن يؤدي أي حراك سلمي إلى تغيير شيء في هذا النظام.

• هل الثورة في هذا الأداء قادرة على إسقاط النظام؟
- لو أن المجتمع الدولي صدق في تعاونه مع الثوار، فإن هذا النظام لن يبقى طويلا، هناك إرادة حقيقية من شعب قادر على إسقاط النظام.. هذا النظام أصبح خطرا على العالم بأسره وليس على السوريين والدول الإقليمية فقط .. وهنا أقول وأحذر إنه مجرد ما بدأ النظام يسعر أنه يتهاوى فإنه سيستخدم كل ما هو أخلاقي ضد السوريين وغير السوريين .. وهذا بالطبع بدعم إيران والعراق.. لذلك لابد من التخلص من هذا النظام .. والجيش الحر في النهاية قادر على إسقاط النظام لو توفر له السلاح العادي بشرط استمراره وليس النوعي.

• ماذا تحتاج سوريا في مرحلة ما بعد الأسد؟
- المرحلة المقبلة تتطلب مشروعا وطنيا لإنقاذ سوريا وتوافقا وطنيا، وكذلك معايير إنتاج قيادة سياسية، وفي ذات الوقت يجب أن يكون هناك برنامج يتطابق وحجم سوريا، وأن نميز بين شكل الدولة وشكل الأمة.

• هل تخشى من التقسيم في سوريا؟
- بالطبع المشروع قائم في الحالة السورية، فهو هدف من أهداف النظام، فضلا عن تأخر المجتمع الدولي في التدخل فرض حالة من بقاء الوضع كما هو عليه، وعندما تنهك قوى الصراع، في هذه الحالة تقبل بكل ما يوقف القتال وحتى لو كان التقسيم للخروج من المأزق.. وهذا التقسيم سيكون على أساس عرقي طائفي، إلا أنه لن ينجح، لأن سوريا لا يمكن اللعب في تاريخها ووحدتها.

• وماذا عن مصير الطائفة العلوية.. ألا تخشى من تصفيات مستقبلية؟
- أنا أرد بسؤال.. منذ سنتين والنظام السوري الذي تسيطر عليه الطائفة العلوية، وهي تقصف المدن وتدمر البيوت وتقتل الرجال والنساء، وأخيرا استخدم الكيماوي، هل أحد من الجيش الحر أقدم على عمليات انتقامية وتصفيات طائفية.. هناك علويون وطنيون، والعقوبة على العلوي من قبل النظام أكبر من عقوبة السني.. فالطائفية ليست من أفكار الثورة.

• ألا تعتقد أن سوريا خسرت جيشها؟
- من ناحية العتاد، بالفعل خسر الشعب السوري ما بناه طوال عقود، أما بالنسبة للجيش وضباطه، فلا خسارة أبدا لأن معظم قياداته الحالية عصابوية وليست وطنية، وهنا لا بد من إعادة هيكلة الجيش على أساس وطني سواء من الثوار أو الجيش الواقعي.. وللأسف أن جيش النظام اليوم هو عبارة عن ميليشيات.